أحدهم يعبر هذه الصفحة قادماً من رأسي ، يتمدد بين سطور عن الحب ويعدو تحت شمس مرسومة بعناية. قد لا يلتفت لأثار الخريف على الأشجار، وقد يتأرجح بين دمعتين. أحدهم حرَ تماماً ليعود من حيث أتى، ويتركني وحدي ويتركك وحدك أنت يا من تتجول بين هذه الكلمات بحرية، هذه الكلمات الممددة بهدوء فوق السطور لتصيبك في مقتل تماماً !
تبدو يدي مع السنين أكثر حنكة مني، تعرف طريقها للأشياء بدقة، بارعة في انجاز المهام كلها بلا شكوى، تحب أو تكره بلا صخب إعلامي، خبيرة في ترتيب الحياة ، مسح التراب كما الأحزان الصغيرة، تدق على الحاسوب وتفتح الأبواب برفق، تهوى التربيت على الزهور والأشجار، ونثر الحبّ للعصافير، تتوارى في الجيوب خجلاً وطلباً للدفء، وفي أخر اليوم تتشابك تحت الوسادة بلا تذمر. مذهل ما تستطيعه هذه اليد، مذهلة هذه الحياة الصامتة !
غالباً هي قصيدة مترهلة أكتبها قسراً لا أعرف على نحو دقيق لماذا، ربما بسبب بقايا الأغاني في العالم، أو الأحلام ربما هي الشمس، العصفور الذي مرّ صباحاً، أو الأشجار التي تقاوم على بابي... سأجعلها سريعة احتراماً لصوت العقل وحقناً للدماء المجانية التي ستريقها... وفي الحقيفة هي قصيدة قبيحة تتمدد في مساحة غير مستحقة من أعين البشر وتعطلهم عن أمور أهم. على الارجح سأندم على ذلك وطلباً للغفران سأجعلها، في نهاية المطاف، قصيدة خرساء ...
حصتي اليومية من هراء العالم تنتظرني كل صباح دونما نقصان، تفتت اليوم الآت وتطرحني في أحراش الصمت حتى المساء. أما عن الليل، فتنتظرني حصتي اليومية من الخيالات الخائبة،
أحدهم يصفّر لحناً قديماً لأغنامه، في بقعة مجهولة من هذه الارض. يسير بلا عجلة في طريقٍ لم تكن يوماً مأهولة، مهدتها خطوات السابقين، يتكيء على عصا عجوز لا يحتاجها بالضرورة، ولكنها الرفقة. ما زالت أحلامه محفوظة من الأجساد المشطورة والأوطان الأسيرة، لا تغيب عنها الشمس ولا الأقمار. ما زالت أفكاره حول الذئب، موقد البيت، حكاوي الليل وفصول السنة سليمة بلا نقصان. يغني هناك وحيداً، سعيداً، وتنطوي لمسته اللاهية لنعجة شاردة على ما تبقى لنا من الإنسانية...